بسم الله الرحمن الرحيم
الشرك بالله ومظاهره المنتشره بين الناس
وهو أعظم المحرمات على الإطلاق لحديث أبي بكرة قال : قال رسول الله : " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر (ثلاثا) "قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : " الإشراك بالله ... " . متفق عليه ..
وكل ذنب يمكن أن يغفره الله إلا الشرك فلا بد له من توبة مخصوصة قال الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } النساء/48 , 116 .
والشرك منه ما هو أكبر مخرج عن ملة الإسلام ، وصاحبه مخلد في النار إن مات على ذلك . ومن مظاهر هذا الشرك المنتشرة في كثير من بلاد المسلمين :
- عبادة القبور واعتقاد أن الأولياء الموتى يقضون الحاجات ويفرجون الكربات والاستعانة والاستغاثة بهم والله سبحانه وتعالى يقول : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ... } سورة الإسراء/23 .
- وكذلك دعاء الموتى من الأنبياء والصالحين أوغيرهم للشفاعة أو للتخليص من الشدائد والله يقول : { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ } النمل/62 , وبعضهم يتخذ ذكر اسم الشيخ أو الولي عادته وديدنه إن قام وإن قعد وإن عثر , وكلما وقع في ورطة أو مصيبة وكربة فهذا يقول يا محمد وهذا يقول يا علي وهذا يقول يا حسين وهذا يقول يا بدوي وهذا يقول ياجيلاني وهذا يقول يا شاذلي وهذا يقول يا رفاعي وهذا يدعو العيدروس وهذا يدعو السيدة زينب وذاك يدعو ابن علوان , والله يقول : { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } سورة الأعراف/194 .
- وبعض عُبّاد القبور يطوفون بها ويستلمون أركانها ويتمسحونبها ويقبلون أعتابها ويعفرون وجوههم في تربتها ويسجدون لها إذا رأوها ويقفون أمامها خاشعين متذلّلين متضرعين سائلين مطالبهم وحاجاتهم من شفاء مريض أو حصول ولد أو تيسير حاجة وربما نادى صاحب القبر يا سيدي جئتك من بلد بعيد فلا تخيبني والله عز وجل يقول : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ , وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } سورة الأحقاف/5 , 6 .
وقال عز وجل : { وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ , إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } سورة فاطر/ 13 , 14 . وَالْقِطْمِيرُ : هُوَ اللِّفَافَةُ الَّتِي تَكُونُ عَلَى نَوَاةِ التَّمْرَةِ ، أَيْ : لَا يملكون من السماوات وَالْأَرْضِ شَيْئًا ، وَلَا بِمِقْدَارِ هَذَا الْقِطْمِيرِ .
وقال النبي : " من مات وهو يدعو من دون الله نِدًّا دخل النار " رواه البخاري , الفتح 8/176 ، وبعضهم يحلقون رؤوسهم عند القبور ، وعند بعضهم كتب بعناوين : "مناسك حج المشاهد" ويقصدون بالمشاهد القبور وأضرحة الأولياء .
- وبعضهم يعتقد أن الأولياء يتصرفون في الكون وأنهم يضرون وينفعون والله عز وجل يقول : { وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ ... } سورة يونس/107 ، وكذلك من الشرك النذر لغير الله كما يفعل الذين ينذرون الشموع والأنوار لأصحاب القبور .
- وكذلك من الشرك الأكبر الذي يُخرج صاحبه من الإسلام , ويخلد بسببه في النار إن مات عليه ولم يتب : " الذبح لغير الله ".
فإن الذبح لغير الله من الشرك الأكبر الذي دل عليه الكتاب والسنة والإجماع ، قال الله تعالى : { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } سورة الأنعام/ 162 , 163 ، قال مجاهد والسدي { نُسُكِي } أي : ذبحي ,وقول الله تعالى : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } سورة الكوثر/2 , أي : انحر لله , وعلى اسم الله , وقال النبي : " لعن الله من ذبح لغيرالله " رواه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه رقم 1978 .
وقد يجتمع في الذبيحة محرّمان وهما : " الذبح لغير الله " و " الذبح على غير اسم الله " , وكلاهما مانع للأكل منها ، ومن ذبائح الجاهلية - الشائعة في عصرنا - " ذبائح الجن " وهي أنهم كانوا إذا اشتروا دارا أو بنوها أو حفروا بئرا ذبحوا عندها أو على عتبتها ذبيحة خوفا من أذى الجن . انظر كتاب تيسير العزيز الحميد ط. الإفتاء (ص : 158) .
- ومن أمثلة الشرك الأكبر العظيمة الشائعة تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله أو اعتقاد أن أحدا يملك الحق في ذلك غير الله عز وجل ، أو التحاكم إلى المحاكم والقوانين الجاهلية عن رضا واختيار واعتقاد بجواز ذلك . وقد ذكر الله عز وجل هذا الكفر الأكبر في قوله : { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ } التوبة/31 , ولما سمع عدي بن حاتم نبي الله يتلوها قال : فقلت : إنهم لم يكونوا يعبدونهم قال : " أجل ولكن يحلون لهم ما حرم الله فيستحلونه ويحرمون عليهم ما أحل الله فيحرمونه فتلك عبادتهم لهم " رواه البيهقي السنن الكبرى 10/116 , وهو عند الترمذي برقم 3095 , وحسنه الألباني في غاية المرام(ص : 19) . وقد وصف الله المشركين بأنهم : { لا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ .. } سورة التوبة/29 , وقال الله عز وجل : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنزلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ } سورة يونس/59 .
- وكذلك من مظاهر الشرك المنتشرة بين الناس : الرُّقَى والتَّمائِم والتِّوَلَة , لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله يقول : " إن الرُّقَى والتَّمائِم والتِّوَلَة شرك " رواه أبو داود وصححه الألباني .
والرُّقَى المقصود بها : المُحرّمة ، وهناك رُقَى مشروعة ، فقد قال النبي : " اعرضوا علي رقاكم ، لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً " ، والمقصود بذلك الرُقَى التي تشتمل على الشرك ، أو على أمور مجهولة لا يُدْرَى ما هي ، فهذه هي التي يبتعد عنها ، وأما الرقية بالقرآن وبالأذكار والأدعية المباحة فلا بأس بها ؛ ولهذا قال : " لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً " .
والتمائم هي : حروز من خرز أو شيء مكتوب يوضع في جلد أو في وعاء تعلق على الصبي أو غير الصبي ؛ من أجل أن يدفع عنه العين أو غير ذلك ، وهذا العمل محرم ، فلا يجوز للإنسان أن يعلق أو يتعلق تميمة ، وإنما يأتي بالرقية الشرعية مع البعد عن الرقى الشركية أو البدعية التي تشتمل على أمور محظورة ، أو على أمور مجهولة لا يدرى ما هي ، وإنما يرقى بآيات القرآن ، وبالأذكار والأدعية المباحة .
والتمائم لا يجوز أن تعلق ولو كان فيها شيء من القرآن ؛ لأن القرآن لا يعلق ، ولم يأت دليل يدل جواز كتابته في شيء ثم يعلق على الصبيان وغير الصبيان ، فهذا لا يجوز ، ولم يثبت في ذلك سنة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه ؛ ولأن فيه امتهاناً للقرآن إذا علق على الطفل ، فالطفل يتعاطى النجاسات ولا يتنزه منها ، فيعرض القرآن ويعرض كلام الله عز وجل للإهانة .
والتِّوَلَة قيل : إنها شيء من السحر يكون به تحبيب المرأة إلى زوجها ، أو تحبيب الرجل إلى زوجته ، وكل هذا من عمل الشيطان ، وهو لا يسوغ ولا يجوز .