α и ɢ є ℓ Admin
عدد المساهمات : 358 تاريخ التسجيل : 16/08/2013
| موضوع: خالد ابن الواليد السبت أغسطس 17, 2013 8:34 pm | |
| عِنْدَمَا عزل عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِىَ اللهُ عَنْهُ خَالِد بْن الْوَلِيدِ، عاد خَالِد مرة أخرى إِلَى المَدِينَة المُنَوَّرَة عاصمة الخِلَافَة ومقرّ الحكم، ومن المدهش أن نعرف من كُتُب التَّارِيخ أن عُمَر بْن الْخَطَّابِ لم يتخذ قصرًا ولا حَتَّى بيتًا للخلافة والحكم، وهَذَا يَرجِعُنا إِلَى قصة اغْتِيَال عُثْمَان بْن عَفَّانَ واقتحام بيته أو داره، لتكتشف أنه لم يكُن هُنَاك حُرَّاس ولا بوابات عالية، ومن ثم يجب الاعتبار جيدًا لفكرة أن قصر عُمَر بْن الْخَطَّابِ ومقرّ إدارة الحكم كَانَ المَسْجِد، أو بالأحرى جزءًا من المَسْجِد النَبَوِىّ، حَيْثُ كَانَ يجلس عُمَر بْن الْخَطَّابِ فيدير العالَم ويحكم الأمة شرقًا وغربًا فِى واحد من البرلمانات العَظِيمة فِى تاريخ البشرية ما بين صَحَابَة يختلفون معه، وصَحَابَة يحاورونه، وصَحَابَة يواجهونه، ويناظرونه إِلَى حدّ أن خَالِد بْن الْوَلِيدِ القَائِد العَسْكَرِىّ صاحب الفُتُوحَات والمجد، وحامل نيشان ورتبة كَبِيرة جدًّا من الرَّسُّول عَلَيْهِ الصلاة والسلام بأنه سَيْف اللهِ الْمَسْلُول (عِنْدَمَا أطلق الرَّسُّول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ على خَالِد بْن الْوَلِيدِ لقب «سَيْف اللهِ الْمَسْلُول» لم يكُن ذَلِكَ لأَنَّهُ انتصر، ولكن لأَنَّهُ أنقذ الْجَيْش بالانسحاب.. قدرته على الانسحاب هِىَ الَّتِى جعلته سَيْف اللهِ الْمَسْلُول، إذن لَيْسَ بالضرورة أن النصر والانتصار العَسْكَرِىّ والمجد الضخم هُوَ الَّذِى يجعلك عَظِيمًا مهيبًا، وَإِنَّمَا مجرَّد القدرة على إنقاذ الدم المسلم يجعلك بطلًا، وقمة من قمم التَّارِيخ العَسْكَرِيّ والدِّينِىّ) عِنْدَمَا رُفعت عَنْهُ هَذِهِ المهابة.. مهابة القَائِد، وهَذِهِ الهيبة.. هيبة المنتصر، هَذَا الفارس تَرَجَّل وذهب إِلَى الفاروق عُمَر بْن الْخَطَّابِ فِى المَسْجِد مقرّ الخِلاَفَة وجلس إِلَى السجادة الجالس عليها عُمَر بْن الْخَطَّابِ فلم نعرف لَهُ كرسيًّا أو عرشًا أو حَتَّى مرتبة أو فرشتين بعضهما فوق بعض. وقال خَالِد بْن الْوَلِيدِ لعُمَر بْن الْخَطَّابِ: «لقد شكوتُك والله إنك لَغير مُحِقّ فِى أمرى».
عَلَى الرَّغْمِ من أن خَالِد بْن الْوَلِيدِ كَانَ يحدِّث أَمِير الْمُؤْمِنِين، فإنه كَانَ يملك هَذِهِ الحرية، وهَذِهِ القدرة على المواجهة، والمناظرة، والشكوى، بل ورفض القرار. فردّ عَلَيْهِ سيدنا عُمَر بْن الْخَطَّابِ الردّ العمرى الَّذِى هُوَ مفتاح شَخْصِيَّة عدله، وعدل شخصيته، ومفتاح عَظَمة الأُمَم، وتساءل عُمَر بْن الْخَطَّابِ السؤال الَّذِى سأله الحاكم فتأكد أن الأُمَّة ستسير على نحو رائع ومدهش ومتقدم. سأل عُمَر بْن الْخَطَّابِ خَالِد بْن الْوَلِيدِ: «من أين لَكَ هَذَا الثَّرَاء؟» كَانَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ يسأله عن ماله وثرائه. ينتصر خَالِد بْن الْوَلِيدِ ويفتح فُتُوحَات عَظِيمة، وينتصر فِى معارك كَبِيرة، على عينى ورأسى، لكن هَذَا فِى النِّهَايَة لاَ يكون محصّلته ثراءً وتربُّحًا واستغلالا. سأله عُمَر بْن الْخَطَّابِ: «من أين لَكَ هَذَا الثَّرَاء؟»، فرد عَلَيْهِ خَالِد بْن الْوَلِيدِ: «من الأنفال»، أى من الغنائم الَّتِى يحصل عليها باعتباره قَائِدًا من القُوَّاد كما يُوجِب قانون أو عرف توزيع الغنائم، وأضاف خَالِد بْن الْوَلِيدِ: «ما زاد على الستين ألفًا فلك»، وزاد مال خَالِد بْن الْوَلِيدِ على الستين ألفًا بعشرين ألفًا، فضمَّهَا عُمَر بْن الْخَطَّابِ إِلَى بيت المال، الأمر واضح عند عُمَر بْن الْخَطَّابِ لاَ لبس فِيهِ، ولا لفّ، ولا دوران.
خَالِد بْن الْوَلِيدِ قَائِدٌ عَسْكَرِىّ، وبطل من الأَبْطَال، وفارس من الفرسان، وقُل ما شئت من الألقاب والمزايا والصفات، لكن عند هَذِهِ النقطة، وعند هَذَا الخط الأحمر، فلا.. لاَ يُوجَد استغلال أو تربُّح، ولاحِظْ أنَّنَا نتحدث عن عُمَر بْن الْخَطَّابِ الصَحَابِىّ الْجَلِيل والمبشَّر بالجنة، وخَالِد بْن الْوَلِيدِ صَحَابِىّ آخر، وَهُوَ ما يعنى أن لاَ أحد فوق النقد، أو أنه مَا دَام صَحَابِيًّا فإنه لاَ يخطئ ولا يقترب من المال، ولكن ما حدث أن خَالِد بْن الْوَلِيدِ اعتقد أن ذَلِكَ حقُّه، وانْتَهَى بِهِ الأَمْر إِلَى أن ذَلِكَ لم يكُن من حقِّه، ومِن هُنَا اختصمه عُمَر بْن الْخَطَّابِ وعزله. .شخصيًّا لستُ مقتنعًا كثيرًا بما جاء فِى كتب التَّارِيخ من أن عُمَر بْن الْخَطَّابِ عزل خَالِد بْن الْوَلِيدِ حَتَّى لاَ يُفتَن بِهِ النَّاس، وأعتقد أن هَذَا التَّعْبِير قِيلَ بشكل دبلوماسى على لسان عُمَر بْن الْخَطَّابِ، أو على لسان المؤرّخين الَّذِينَ اعتبروا أن هَذَا التَّعْبِير سوف يخفِّف من عُنف مثل هَذَا القرار، وَهُوَ أن يخرج قَائِد منتصر مثل خَالِد بْن الْوَلِيدِ خارج ساحة وميدان المَعْرَكَة تمامًا بقرار مُهِمّ، وعاجل، وقوىّ من عُمَر بْن الْخَطَّابِ، والحَقِيقَة أن خَالِد بْن الْوَلِيدِ كشَخْصِيَّة كَانَت صفاته تتداخل فِيهَا أمور تجعل شخصًا عَظِيمًا مثل عُمَر بْن الْخَطَّابِ يقرِّر عزْلَه، بمعنى أن خَالِد بْن الْوَلِيدِ كَانَ غَضُوبًا، أى كثير الغضب. وتذكر لنا كتب التَّارِيخ أنه عِنْدَمَا كَانَ يغضب كَانَ يمتقع لونه، وكان خَالِد بْن الْوَلِيدِ يغضب، ويتشاجر مع أصَحَابِه أنفسهم، حَيْثُ يحكى لنا التَّارِيخ أحاديث المُغاضَبَة، فعلى سبيل المثال كَانَت بينه وبين أَبِى عُبَيْدَة بْن الْجَرَّاح، أحد القُوَّاد الْعِظَام فِى التَّارِيخ الإِسْلاَمىّ، وأمين الأُمَّة كما أطلق عَلَيْهِ الرَّسُّول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، مُغاضَبة، إذ حدثت بينهما مَعْرَكَة فكرية سياسية مهمة جدًّا بعد فتح دمشق، فعِنْدَمَا سُلِّمَت الإِمَارَة للمُسْلِمِين، وعملوا هدنة ومعاهدة، كَانَ رأى أَبِى عُبَيْدَة بْن الْجَرَّاح أن هَذِهِ مصالحة ومعاهدة، أما خَالِد بْن الْوَلِيدِ فكان يعتبر هَذَا انتصارًا عَسْكَرِيًّا من المُسْلِمِين على دمشق، ومن ثم كَانَ جادًّا فِى هَذَا الموضوع تمامًا، وكما تَذكُر كتب التَّارِيخ، كَانَ لَهُ حِدَّة يملكها أو تملكه، أى أن الغضب إما يتمكن مِنْهُ، وإما يفوق أىَّ مقام لَهُ. وللأستاذ عباس العقاد رأى فِى هَذَا السياق هُوَ أن الحوادث الَّتِى بلغتنا إشارة إِلَى الكثير الَّذِى لم يبلغنا، بمعنى أن كون خَالِد بْن الْوَلِيدِ غضب من أَبِى عُبَيْدَة الْجَرَّاح فِى هَذَا الأمر، بينما استنكر أبو عُبَيْدَة بْن الْجَرَّاح واستنكف أن يقتصّ من أهل حمص أو يأخذ نساءهم سبايا وأموالهم غنيمة، مَا دَاموا قد سلّموا لهم، وكان رأيه أن هَذَا الفعل لَيْسَ فتحًا وَإِنَّمَا جِبَايَة، وأن هَذَا لَيْسَ رفعًا لراية الإِسْلاَم، وَإِنَّمَا للانتصار العَسْكَرِىّ، ويُوجَد فرق فِى الرأى بين قَائِد عَسْكَرِىّ لاَ يرى إلا المعارك والحرب، ورأْى أبِى عُبَيْدَة الْجَرَّاح ومِن ورائه عُمَر بْن الْخَطَّابِ، فما يفعلانه هُوَ هداية لا مَعْرَكَة ولا خناقة، وأن ما حول الإِسْلاَم ومعاركه من كلمة الغزو إِلَى كلمة الْفَتْح هُوَ أبو عُبَيْدَة بْن الْجَرَّاح وعُمَر بْن الْخَطَّابِ لاَ خَالِد بْن الْوَلِيدِ، لذَلِكَ فإن الانتصار العَظِيم حقَّقه عُمَر بْن الْخَطَّابِ، والقيمة الَّتِى أرساها أبو عُبَيْدَة بْن الْجَرَّاح هِىَ أنَّنَا نفتح لا نغزو، ولسنا نطمع فِى الأرض، أو المال، أو السَّبَايَا، أو الغنائم، وأن ما نبغيه هُوَ فتح من الله ونصر.
هَذَا النصر هُوَ الَّذِى جعل عُمَر بْن الْخَطَّابِ يقرِّر عزل خَالِد بْن الْوَلِيدِ، ولم يكتفِ خَالِد بْن الْوَلِيدِ بهَذِهِ المغاضبة مع أَبِى عُبَيْدَة بْن الْجَرَّاح، ولكن تَذكُر لنا كتب التَّارِيخ أنه غاضَبَ عبد الرحمن بْن عوف، وعمار بْن ياسر على مسمع ومشهد من الرَّسُّول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، إذ قَالَ خَالِد بْن الْوَلِيدِ لعمار بْن ياسر: «لقد هممت أن لا أكلِّمك أبدًا»، فأصبح بينهما النَّبِىّ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ وَهُوَ يَقُول لخَالِد: «ما لك ولعمار؟ رجل من أهل الجنة قد شهد بدرًا»، ثم يَقُول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ لعَمَّار: «إن خَالِد يا عَمَّار سيف من سيوف الله على الكُفَّار»، وتحكى لنا كتب التَّارِيخ عن اعتزاز خَالِد بْن الْوَلِيدِ بِنَفْسِهِ وبقُدُرَاته.
كما يجب أن تلاحظ التكوين الاجتماعى لخَالِد بْن الْوَلِيدِ باعتباره من أبناء الثَّرَاء، ومحبى الرفاهية، وبهجة الحياة، لدرجة أنه لم يفرغ من الحرب إطلاقًا إلا تَزَوَّج، وتذكر لنا كتب التَّارِيخ أن حياة خَالِد بْن الْوَلِيدِ كَانَت عام غزو، وعام نساء، فمثلا ينتهى من مَعْرَكَة اليمامة فينتقل إِلَى زوجة من الزوجات الجديدات، وينتهى من موقعة الجندل فيتزوج بأخرى حسناء، وهَذَا دليل على الرفاهية الَّتِى يعيشها فارس من الفرسان الْعِظَام هُوَ خَالِد بْن الْوَلِيدِ.
عِنْدَمَا عُزل خَالِد بْن الْوَلِيدِ عن قيادة الْجَيْش تراجع دوره، واختفى تَقْرِيبًا من صَفْحَات الْكُتُب والتَّارِيخ، وانْتَهَى إِلَى بضع صَفْحَات بعد عزله بدلا من تصدُّره المشهد التَّارِيخىّ من غزوات وفُتُوحَات. إذن يجب أن نعترف ونحن نقرأ هَذَا التَّارِيخ أن دور خَالِد بْن الْوَلِيدِ كقَائِد عَسْكَرِىّ هُوَ الدور الَّذِى كَانَ يمتلك حياته، بمعنى أنه بمُجَرَّد فراغه من القتال، وبمُجَرَّد رحيله من ساحة المَعْرَكَة والحرب ينسحب دوره السِّيَاسِىّ، والفهقىّ، والدِّينِىّ . فمَاذَا حدث بعد أن عاد السيف إِلَى غمده؟ قرَّر عُمَر بْن الْخَطَّابِ أن لا يمكث خَالِد بْن الْوَلِيدِ بالحجاز أو المَدِينَة المُنَوَّرَة فرحل إِلَى حمص فِى الشام، وكان ذَلِكَ هُوَ المكان الأثير لدى خَالِد بْن الْوَلِيدِ، واختاره لأَنَّهُ لاَ يريد أن يظل فِى مكان صناعة القرارات السياسية وَهُوَ بعيد عَنْهَا، وكان يعرف ويدرك أن دوره هُوَ القَائِد، والفارس، والفاتح، ومن ثم هُنَاك أدوار أخرى يمكن أن يتجاوز أحدهم قدره فِيهَا، أو يعلو فِى مقامه فِيهَا عَلَيْه، لكن عُمَر بْن الْخَطَّابِ لم يكُن ليترك الأمر مفتوحا إِلَى هَذَا الحد، فمثلا كَانَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ يلوم خَالِد بْن الْوَلِيدِ لأَنَّهُ يتدلك بقطعة نسيج معجونة بالخمر عند استحمامه معتبرا ذَلِكَ دليل رفاهية لاَ مبرِّر لَهَا وغير لائقة، وأشير هُنَا إِلَى أنه عَلَى الرَّغْمِ من أن هَذِهِ التفصيلة صغيرة ومحدودة، فإنَّ عُمَر بْن الْخَطَّابِ تدخل فِيهَا، كما أنها تؤشِّر إلى مدى الرفاهية والإحساس بنعمة الحياة، وجمال الدنيا الَّتِى كَانَ يعيشها هَذَا الفارس. تَخيَّل أنه كَانَ يقابل كل يوم موتى، وقتلى، ودماء، وحروبا، وقرارات حاسمة، وآلاف الجثث، ومئات الشُّهَدَاء، فكان نتيجة هَذِهِ المشاهد إما أن ينتهى إحساسه بفزع الموت، وإما أن يتمسك بنعمة الحياة، وبِدَعَةِ العيش والرفاهية، والحَقِيقَة أن خَالِد بْن الْوَلِيدِ جمع بين الاثنتين: رفاهية وَدِعَة العيش، خصوصا أنه كَانَ من بيئة ثرية جدًّا تجنح بِهِ إِلَى المتعة فِى الحياة والعيش بالإضافة إِلَى انتهاء أساسه بفزع الموت.
لم تكن طبيعة خَالِد بْن الْوَلِيدِ طبيعة فارس يبحث عن مجد عَسْكَرِىّ فقط، ولكنه كَانَ -كما تؤكد كتب التَّارِيخ- مُحبًّا لمتع الدنيا وبهجتها، فلم يكُن شىء أحبَّ إليه فِى ليلة شديدة الجليد فِى سَريَّة من المجاهدين أصبح بهم العدو فعليهم بالجهاد، لم يكُن أفضل وأجمل من ذَلِكَ عنده إلا اشتهاء العروس، وكانت غاية المتاع عنده إما الحرب وإما الزواج والدّعة والرفاهية، هَذِهِ هِىَ الحالة الَّتِى نكتشفها فِى قَائِد عَسْكَرِىّ عَظِيم مثل خَالِد بْن الْوَلِيدِ.
ظل خَالِد بْن الْوَلِيدِ فِى حمص أربع سنوات لم يفارقها إلا قليلا وطوال الوقت كَانَ يعيش فِى عزلة عن واقع العالم السِّيَاسِىّ عربيًّا وإِسْلاَميًّا، كَانَ يعيش بين أهله وأولاده الَّذِينَ قارب عددهم الأربعين ولدًا ويرجع ذَلِكَ إلى كثرة زيجاته، لكن الغريب أن أولاده الأربعين تُوفُّوا فِى حياته وأمام عينيه.. أمام عينَى هَذَا الأب البطل الَّذِى كَانَ يحب الحياة ويصارع الموت فِى ميدان القتال، ويصرع الأعداء، ولم يحفظ لنا التَّارِيخ قولا مأثورا فِى موت هؤلاء الأبناء الكثيرين، ولم يقل خَالِد بْن الْوَلِيدِ جملة توقف عندها التَّارِيخ، وكتبها، ولم يُلقِ حَتَّى بيتا من الشعر، ولم نشهد لَهُ مشهدا فِى كتب التَّارِيخ يدلّ على أنه قَالَ شيئا، أو تأثر أثرا بليغا فِى موت جملة من الأبناء راحوا ضحية طاعون مر بالوطن العَرَبِىّ والإِسْلاَمىّ. هَذَا الرَّجُل لم يصدر مِنْهُ ذَلِكَ لسبب واضح جدًّا، هُوَ أنه التقى الموت كثيرا ورآه عاديًّا ويوميًّا، لذَلِكَ عِنْدَمَا يتعقب الموت أبناءه فهَذَا أمر يحدث أمامه وَهُوَ القَائِد الأشهر الَّذِى يعرف مَاذَا يعنى الموت، ولم يكُن يهتز بالدرجة الَّتِى يَقُول فِيهَا قولا، أو على الأقلّ يحكى فِيهَا شِعرًا.
لكننى أريد أن أتوقف عند ابنين من أبناء خَالِد بْن الْوَلِيدِ ظلاَّ على قيد الحياة بعد وفاته، أشهرهما هُوَ المهاجر بْن خَالِد بْن الْوَلِيدِ الَّذِى انضمَّ إِلَى صفّ علىّ بْن أَبِى طالب فِى المعارك الَّتِى خاضها ضدّ مُعَاوِيَة بْن أَبِى سُفْيَان، فكما نعلم بعد موت عُثْمَان بْن عَفَّانَ انقسمت الأمة الإِسْلاَمية إِلَى فسطاطين: فسطاط علىّ بْن أَبِى طالب، وفسطاط مُعَاوِيَة بْن أَبِى سُفْيَان.
أما ابن خَالِد بْن الْوَلِيدِ الثانى فكان عبد الرحمن، وبَقِىَ حيًّا حَتَّى شهد خلافة مُعَاوِيَة بْن أَبِى سُفْيَان، وكان أحد الَّذِينَ حصلوا على شعبية هائلة، وجماهيرية واسعة، ومحبَّة صافية من جماهير المُسْلِمِين، وكان أحد أهم الرجالات والشَّخْصيات الَّتِى سعت إليها الأمة وقتها، ثم فوجِئَ التَّارِيخ على حين غرة بأنه مات مسموما فِى فترة مُعَاوِيَة بْن أَبِى سُفْيَان عِنْدَمَا قيل إنه رُشِّحَ للخلافة وكان ذَلِكَ قبل أن يرشح مُعَاوِيَة بْن أَبِى سُفْيَان ابنه لولاية العهد بوقت لَيْسَ قصيرا وسابقا بعدة أسابيع أو أيام، سقى مُعَاوِيَةُ بْن أَبِى سُفْيَان سمًّا -كما تَقُول كتب التَّارِيخ والمؤرخون- لعبد الرحمن بْن خَالِد بْن الْوَلِيدِ على يد طبيب معاوية، هَذِهِ هِىَ اللحظة التَّارِيخِيَّة الَّتِى انْتَهَى فِيهَا نسل وذرية هَذَا القَائِد الَّذِى صاحَبَ الموت والقدر، والذى لعب دورا تَارِيخِيّا رائعا ومجيدا فِى الفُتُوحَات الإِسْلاَمية.
كَانَت نهاية خَالِد بْن الْوَلِيدِ على فراشه بعد أن شهد ما يقرب من 50 زحفا من العراق، ونجد، والشام، ولم يبقَ فِى جسمه موضع سليم من كثرة الجراح، مات خَالِد بْن الْوَلِيدِ ولم يتجاوز الخامسة والخمسين من عمره على فراشه، هَذَا الرَّجُل الَّذِى غيَّر من خريطة الإِسْلاَم والمُسْلِمِين فِى العالم بأسره
منقووووووووووووووووووووووووووووووول | |
|