قال ابن القيم رحمه الله: (وأخبر سبحانه أنه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، وأعاضهم عليها الجنة، وأن هذا العقد والوعد قد أودعه أفضل كتبه المنزلة من السماء، وهي: التوراة، والإنجيل، والقرآن. ثم أكّد ذلك بإعلامهم أنْ لا أحد أوفى بعهده منه تبارك وتعالى، ثم أكّد ذلك بأن أمرهم بأن يستبشروا ببيعهم الذي عاقدوه عليه، ثم أعلمهم أن ذلك هو الفوز العظيم. فليتأمل العاقد مع ربه عقد هذا التبايع ما أعظمه وأجله، فإن الله عز وجل هو المشتري، والثمن جنّات النعيم والفوز برضاه والتمتع برؤيته هناك).
والذي جرى على يده هذا العقد أشرف رسله وأكرمهم عليه من الملائكة والبشر، وأن سلعة هذا شأنها لقد هيئت لأمر عظيم وخطر جسيم:
قد هيئوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهَمَل
مهر المحبة والجنة بذل النفس والمال لمالكهما الذي اشتراهما من المؤمنين، فما للجبان المعرض المفلس وسَوْم هذه السلعة. بالله ما هزلت فيستامها المفلسون، ولا كسدت فيبيعها بالنسيئة المعسرون، لقد أقيمت للعرض في سوق من يزيد، فلم يَرْض ربها لها بثمن دون بذل النفس فتأخر البطَّالون، وقام المحبون ينتظرون أيهم يصلح أن يكون نفسه الثمن، فدارت السلعة بينهم ووقعت في يد (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) [المائدة: 54].
لما كثر المدّعون للمحبة طولبوا بإقامة البيّنة على صحة الدعوى، فلو يعطى الناس بدعواهم لادّعى الخلي حرفة الشجي، فتنوّع المدّعون في الشهود، فقيل لا تثبت هذه الدعوى إلا بينة: (قا إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) [آل عمران: 31]، فتأخر الخلق كلهم، وثبت أتباع الرسول في أفعاله وأقواله وهديه وأخلاقه، فطولبوا بعدالة البيّنة، وقيل لا نقبل العدالة إلا بتزكية (يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم) [المائدة: 54] فتأخر أكثر المدعين للمحبة وقام المجاهدون، فقيل لهم: إن نفوس المحبِّين وأموالهم ليست لهم فسلموا ما وقع عليه العقد (فإن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) [التوبة 111] وعقد التبايع يوجب التسليم من الجانبين، فلما رأى التجار عظمة المشتري، وقدر الثمن، وجلالة قدر من جرى عقد التبايع على يديه، ومقدار الكتاب الذي أثبت فيه هذا العقد، وعرفوا أن للسلعة قدراً وشأناً ليس لغيرها من السلع، فرأوا من الخسران البيِّن والغبن الفاحش أن يبيعوها بثمن بخس دراهم معدودة تذهب لذاتها وشهواتها، وتبقي تبعتها وحسرتها، فإن الفاعل ذلك معدود في جملة السفهاء؛ فعقدوا مع المشتري بيعة الرضوان رضاء واختياراً من غير ثبوت خيار، وقالوا: والله لا نقيلك ولا نستقيلك.
فلما تمّ العقد وسلّموا المبيع قيل لهم: قد صارت أنفسكم وأموالكم لنا، والآن فقد رددناها عليكم أوفر ما كانت وأضعاف أموالكم معها: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً، بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون) [آل عمران: 169] لم نبتع منكم بنفوسكم وأموالكم طلباً للربح عليكم، بل ليظهر أثر الجود والكرم في قبول المعيب والإعطاء عليه أجلُّ الأثمان، ثم جمعنا لكم بين الثمن والمثمن.
تأمل هنا قصة جابر، وقد اشترى منه بعيره ثم وفّاه الثمن وزاده ورد عليه البعير، وكان أبوه قد قتل مع النبي في وقعة أحد، فذكَّره بهذا الفعل حال أبيه مع الله، وأخبره أن الله أحياه وكلّمه كفاحاً. وقال: يا عبدي تمنَّ علي.فسبحان من عظم جوده وكرمه أن يحيط به علم الخلائق، فقد أعطى السلعة وأعطى الثمن، ووفَّق لتكميل العقد، وقبل المبيع على عيبه، وأعاض عليه أجلَّ الأثمان، واشترى عبده من نفسه بماله، وجمع له بين الثمن والمُثَمَّن، وأثنى عليه ومدحه بهذا العقد، وهو الذي وفقه الله له وشاءه منه: فحيهلا إن كنت ذا همة فقد ========= حدابك حادي الشوق فاطو المراحلا
وقل لمنادي حبهم ورضاهمُ ============== إذا ما دعا لبيك ألفا كواملا
ولا تنظرِالأطلال من دونهم فإن ========== نظرتَ إلى الأطلال عُدْنَ حوائلا
ولا تنتظر بالسير رفقة قاعد ============ ودَعه فإن الشوق يكفيك حاملاً
وخُذ منهمُ زادا إليهم وسِرْ على ========== طريق الهدى والحب تصبح واصلاً
وأحيِ بذكراهم شراك إذا دانت =========== ركابك فالذكرى تعيدك عاملاً
وإما تخافنَّ الكلال فقل لها ============= أمامك وِرْدُ الوَصل فابغي المناهلا
وخُذْ قبساً من نورهم ثم سِرْ به ============ فنورهم يهديك ليس المشاعلا
وحيِّ على وادي العراك فقِلْ به =========== عساك تراهم ثَمَّ إن كنت قائلا
وإلا ففي نعمانَ عندي معرف الـ ========= ـأحبة فاطلبهم إذا كنت سائلا
وإلا ففي جمع بليلته فإن ============== تفُتْ فمني يا ويح من كان غافلا
وحيِّ على جنات عَدْن فإنها ============== منازلك الأولى بها كنت نازلاً
ولكن سباك الكاشحون لأجل ذا ========= وقفتَ على الأطلال تبكي المنازلا
وحيّ على يوم المزيد بجنة الـ ========= ـخلود فجد بالنفس إن كنت باذلاً
فدَعْها رسوماً دارساتٍ فما بها ============= مقيل وجاوزها فليست منازلا
رسوماً غَفَت ينتابها الخَلْق كم بها =========== قتيل وكم فيها لذا الخلق قاتلا
وخُذْ يمنة عنها على المنهج الذي ============= عليه سرى وفد الأحبة آهلا
وقل ساعدي يا نفس بالصبر ساعة =========== فعند اللقاء الكد يصبح زائلا
فما هي إلا ساعة ثم تنقضي ============ ويصبح ذو الأحزان فرحان جاذلا
لقد حرك الداعي إلى الله وإلى دار السلام النفوس الأبية والهمم العالية، وأسمع منادي الإيمان من كانت له أذن واعية، وأسمع الله من كان حيا، فهزه السماع إلى منازل الأبرار، وحدا به في طريق سيره، فما حطت به رحاله إلاّ بدار القرار، فقال: (انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا إيمان بي وتصديق برسلي أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة، أو أدخله الجنة، ولولا أن أشقّ على أمتي ما قعدت خَلْف سرية، ولوددت أني أُقتل في سبيل الله، ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا)
وقال: ( «مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صيام ولا صلاة حتى يرجع المجاهد في سبيل الله، وتوكل الله للمجاهد في سبيله بأن يتوفاه أن يدخله الجنة، أو يرجعه سالما مع أجر أو غنيمة» ) .
وقال: ( «غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها» ) .
وقال فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى: ( «أيما عبد من عبادي خرج مجاهدا في سبيلي ابتغاء مرضاتي، ضمنت له أن أرجعه إن أرجعته بما أصاب من أجر أو غنيمة، وإن قبضته أن أغفر له وأرحمه وأدخله الجنة» )
وقال: «جاهدوا في سبيل الله، فإن الجهاد في سبيل الله باب من أبواب الجنة ينجي الله به من الهم والغم» ) .
وقال: «أنا زعيم - والزعيم الحميل - لمن آمن بي، وأسلم وهاجر ببيت في ربض الجنة، وببيت في وسط الجنة، وأنا زعيم لمن آمن بي وأسلم، وجاهد في سبيل الله ببيت في ربض الجنة، وببيت في وسط الجنة، وببيت في أعلى غرف الجنة، من فعل ذلك، لم يدع للخير مطلبا، ولا من الشر مهربا يموت حيث شاء أن يموت» ) .
وقال: «من قاتل في سبيل الله من رجل مسلم فواق ناقة، وجبت له الجنة» ) .
وقال: «إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة» ) .
«وقال لأبي سعيد: من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا، وجبت له الجنة " فعجب لها أبو سعيد، فقال: أعدها علي يا رسول الله، ففعل، ثم قال رسول الله : " وأخرى يرفع الله بها العبد مائة درجة في الجنة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض " قال: وما هي يا رسول الله؟ قال: " الجهاد في سبيل الله» ) . وقال: ( «من أنفق زوجين في سبيل الله، دعاه خزنة الجنة كل خزنة باب، أي فل هلم، فمن كان من أهل الصلاة، دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد، دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة، دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام، دعي من باب الريان فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: نعم وأرجو أن تكون منهم» ) .
وقال: ( «من أنفق نفقة فاضلة في سبيل الله، فبسبعمائة، ومن أنفق على نفسه وأهله، وعاد مريضا أو أماط الأذى عن طريق، فالحسنة بعشر أمثالها، والصوم جنة ما لم يخرقها، ومن ابتلاه الله في جسده فهو له حطة» ) .
وذكر ابن ماجه عنه: ( «من أرسل بنفقة في سبيل الله، وأقام في بيته فله بكل درهم سبعمائة درهم، ومن غزا بنفسه في سبيل الله، وأنفق في وجهه ذلك، فله بكل درهم سبعمائة ألف درهم " ثم تلا هذه الآية: {والله يضاعف لمن يشاء} [البقرة: 261] » ) [البقرة 261] .
وقال: ( «من أعان مجاهدا في سبيل الله أو غارما في غرمه أو مكاتبا في رقبته أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله») .
وقال: ( «من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار» ) .
وقال: ( «لا يجتمع شح وإيمان في قلب رجل واحد، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في وجه عبد» ) وفي لفظ " في قلب عبد " وفي لفظ " في جوف امرئ " وفي لفظ " في منخري مسلم".
وذكر الإمام أحمد رحمه الله تعالى: ( «من اغبرت قدماه في سبيل الله ساعة من نهار، فهما حرام على النار» ) .
وذكر عنه أيضا أنه قال: ( «لا يجمع الله في جوف رجل غبارا في سبيل الله ودخان جهنم، ومن اغبرت قدماه في سبيل الله، حرم الله سائر جسده على النار، ومن صام يوما في سبيل الله، باعد الله عنه النار مسيرة ألف سنة للراكب المستعجل، ومن جرح جراحة في سبيل الله، ختم له بخاتم الشهداء، له نور يوم القيامة لونها لون الزعفران، وريحها ريح المسك يعرفه بها الأولون والآخرون، ويقولون: فلان عليه طابع الشهداء، ومن قاتل في سبيل الله فواق ناقة، وجبت له الجنة» ) . وذكر ابن ماجه عنه: ( «من راح روحة في سبيل الله، كان له بمثل ما أصابه من الغبار مسكا يوم القيامة» ) .
وذكر أحمد - رحمه الله - عنه: ( «ما خالط قلب امرئ رهج في سبيل الله إلا حرم الله عليه النار» ) .
وقال: ( «رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها» ) .
وقال: ( «رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات، جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه وأمن الفتان» ) .
وقال: ( «كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطا في سبيل الله فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة، ويؤمن من فتنة القبر» )
وقال: ( «رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل») .
وذكر ابن ماجه عنه: ( «من رابط ليلة في سبيل الله، كانت له كألف ليلة صيامها وقيامها» ) .
وقال: ( «مقام أحدكم في سبيل الله خير من عبادة أحدكم في أهله ستين سنة، أما تحبون أن يغفر الله لكم وتدخلون الجنة؟ جاهدوا في سبيل الله، من قاتل في سبيل الله فواق ناقة، وجبت له الجنة» ) .
وذكر أحمد عنه: ( «من رابط في شيء من سواحل المسلمين ثلاثة أيام، أجزأت عنه رباط سنة» ) .
وذكر عنه أيضا: ( «حرس ليلة في سبيل الله أفضل من ألف ليلة يقام ليلها، ويصام نهارها» ) .
وقال: ( «حرمت النار على عين دمعت أو بكت من خشية الله، وحرمت النار على عين سهرت في سبيل الله» ) .
وذكر أحمد عنه: ( «من حرس من وراء المسلمين في سبيل الله متطوعا لا يأخذه سلطان، لم ير النار بعينيه إلا تحلة القسم، فإن الله يقول: {وإن منكم إلا واردها} [مريم: 71] » ) .
وقال لرجل حرس المسلمين ليلة في سفرهم من أولها إلى الصباح على ظهر فرسه لم ينزل إلا لصلاة أو قضاء حاجة: ( «قد أوجبت فلا عليك ألا تعمل بعدها» ) .
وقال: ( «من بلغ بسهم في سبيل الله، فله درجة في الجنة») .
وقال: ( «من رمى بسهم في سبيل الله، فهو عدل محرر، ومن شاب شيبة في سبيل الله، كانت له نورا يوم القيامة») وعند النسائي تفسير الدرجة بمائة عام.
وقال: ( «إن الله يدخل بالسهم الواحد الجنة: صانعه يحتسب في صنعته الخير، والممد به، والرامي به، وارموا واركبوا، وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا، وكل شيء يلهو به الرجل فباطل إلا رميه بقوسه، أو تأديبه فرسه، وملاعبته امرأته، ومن علمه الله الرمي فتركه رغبة عنه، فنعمة كفرها» ) رواه أحمد وأهل السنن وعند ابن ماجه ( «من تعلم الرمي ثم تركه، فقد عصاني» ) .
وذكر أحمد عنه أن رجلا قال له: أوصني فقال: ( «أوصيك بتقوى الله، فإنه رأس كل شيء، وعليك بالجهاد، فإنه رهبانية الإسلام، وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن، فإنه روحك في السماء، وذكر لك في الأرض» ) .
وقال: ( «ذروة سنام الإسلام الجهاد» ) .
وقال: ( «ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف» ) .
وقال: ( «من مات، ولم يغز، ولم يحدث به نفسه، مات على شعبة من نفاق» ) .
وذكر أبو داود عنه: ( «من لم يغز، أو يجهز غازيا، أو يخلف غازيا في أهله بخير، أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة» ) .
وقال: ( «إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، واتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله، أنزل الله بهم بلاء، فلم يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم» )
وذكر ابن ماجه عنه: ( «من لقي الله عز وجل، وليس له أثر في سبيل الله، لقي الله وفيه ثلمة») .
وقال تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} [البقرة: 195] [البقرة: 195] ، وفسر أبو أيوب الأنصاري الإلقاء باليد إلى التهلكة بترك الجهاد، وصح عنه : ( «إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف») . وصح عنه: ( «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله» ) .
وصح عنه: ( «إن النار أول ما تسعر بالعالم والمنفق والمقتول في الجهاد إذا فعلوا ذلك ليقال» ) .
وصح عنه: ( «أن من جاهد يبتغي عرض الدنيا، فلا أجر له») .
وصح عنه أنه قال لعبد الله بن عمرو: ( «إن قاتلت صابرا محتسبا، بعثك الله صابرا محتسبا، وإن قاتلت مرائيا مكاثرا، بعثك الله مرائيا مكاثرا، يا عبد الله بن عمرو على أي وجه قاتلت أو قتلت، بعثك الله على تلك الحال» ) .
قال: ( «والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله - والله أعلم بمن يكلم في سبيله - إلا جاء يوم القيامة اللون لون الدم، والريح ريح المسك» ) .
وفي الترمذي عنه ( «ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين أو أثرين، قطرة دمعة من خشية الله، وقطرة دم تهراق في سبيل الله، وأما الأثران، فأثر في سبيل الله، وأثر في فريضة من فرائض الله» ) .
وصح عنه أنه قال: ( «ما من عبد يموت، له عند الله خير لا يسره أن يرجع إلى الدنيا، وأن له الدنيا وما فيها، إلا الشهيد لما يرى من فضل الشهادة، فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا، فيقتل مرة أخرى» ) وفي لفظ: ( «فيقتل عشر مرات لمايرى من الكرامة» ) .
( «وقال لأم حارثة بنت النعمان، وقد قتل ابنها معه يوم بدر، فسألته أين هو؟ قال: إنه في الفردوس الأعلى» ) .
وقال: ( «إن أرواح الشهداء في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة، فقال: هل تشتهون شيئا؟ فقالوا: أي شيء نشتهي، ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ ففعل بهم ذلك ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا» ) .
وقال: ( «إن للشهيد عند الله خصالا أن يغفر له من أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلى حلية الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها. ويزوج اثنتين وسبعين من الحور العين، ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه» ) ذكره أحمد وصححه الترمذي.
وقال لجابر: ( «ألا أخبرك ما قال الله لأبيك؟ قال: بلى، قال: ما كلم الله أحدا إلا من وراء حجاب، وكلم أباك كفاحا، فقال: يا عبدي تمن علي أعطك،قال: يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية، قال: إنه سبق مني (أنهم إليها لا يرجعون) قال: يا رب فأبلغ من ورائي، فأنزل الله تعالى هذه الآية: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون}[آل عمران: 169] » ) [آل عمران: 169] .
وقال: ( «لما أصيب إخوانكم بأحد، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر، ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم، قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله لنا لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عن الحرب، فقال الله: أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله على رسوله هذه الآيات: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا} [آل عمران: 169] » ) .
وفي " المسند " مرفوعا: ( «الشهداء على بارق نهر بباب الجنة، في قبة خضراء، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشية» ) .
وقال: ( «لا تجف الأرض من دم الشهيد حتى يبتدره زوجتاه، كأنهما طيران أضلتا فصيليهما ببراح من الأرض بيد كل واحدة منهما حلة خير من الدنيا وما فيها» ) .
وفي " المستدرك " والنسائي مرفوعا: ( «لأن أقتل في سبيل الله أحب إلي من أن يكون لي أهل المدر والوبر» ) . وفيهما: ( «ما يجد الشهيد من القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة») .
وفي " السنن ": ( «يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته» ) .
وفي " المسند ": ( «أفضل الشهداء الذين إن يلقوا في الصف لا يلفتون وجوههم حتى يقتلوا، أولئك يتلبطون في الغرف العلى من الجنة، ويضحك إليهم ربك، وإذا ضحك ربك إلى عبد في الدنيا، فلا حساب عليه» ) .
وفيه: ( «الشهداء أربعة: رجل مؤمن جيد الإيمان لقي العدو، فصدق الله حتى قتل، فذلك الذي يرفع إليه الناس أعناقهم، ورفع رسول الله رأسه حتى وقعت قلنسوته، ورجل مؤمن جيد الإيمان، لقي العدو فكأنما يضرب جلده بشوك الطلح أتاه سهم غرب فقتله، هو في الدرجة الثانية، ورجل مؤمن جيد الإيمان، خلط عملا صالحا وآخر سيئا لقي العدو فصدق الله حتى قتل، فذاك في الدرجة الثالثة، ورجل مؤمن أسرف على نفسه إسرافا كثيرا لقي العدو فصدق الله حتى قتل، فذلك في الدرجة الرابعة» ) . وفي " المسند " و " صحيح ابن حبان ": ( «القتلى ثلاثة: رجل مؤمن جاهد بماله ونفسه في سبيل الله حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يقتل، فذاك الشهيد الممتحن في خيمة الله تحت عرشه، لا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة، ورجل مؤمن فرق على نفسه من الذنوب والخطايا، جاهد بنفسه وماله في سبيل الله حتى إذا لقي العدو، قاتل حتى يقتل، فتلك ممصمصة محت ذنوبه وخطاياه، إن السيف محاء الخطايا، وأدخل من أي أبواب الجنة شاء، فإن لها ثمانية أبواب، ولجهنم سبعة أبواب، وبعضها أفضل من بعض، ورجل منافق جاهد بنفسه وماله، حتى إذا لقي العدو، قاتل في سبيل الله حتى يقتل، فإن ذلك في النار، إن السيف لا يمحو النفاق» ) . وصح عنه: ( «أنه لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبدا» ) .
وسئل أي الجهاد أفضل؟ فقال: ( «من جاهد المشركين بماله ونفسه قيل: فأي القتل أفضل؟ قال: من أهريق دمه، وعقر جواده في سبيل الله» ) .
وفي " سنن ابن ماجه ": ( «إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر» ) وهو لأحمد والنسائي مرسلا.
وصح عنه: ( «أنه لا تزال طائفة من أمته يقاتلون على الحق لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة» ) وفي لفظ: ( «حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال» ) .
انتهى كلام ابن القيم من [زاد المعاد في هدي خير العباد (3/66-67)].