تشتمل السنة في اصطلاح المحدثين صفات الرسول (صلى الله عليه و سلم) الخَلقية و الخُلقية. و صفاته الخَلقية هي هيأته التي خلقه الله عليها وأوصافه الجسمية والبدنية.و لا شك أن معرفة صفات خاتم النبيين محمد بن عبدالله )صلى الله عليه و سلم( مهمة جدا لأنهاتعتبر من العلم النافع. لذلك اعتنى السلف الصالح بنقل هذه الصفات الخَلقية و الخُلقية, و قد ألف الإمام الترمذي كتابا شاملا مشهورا يحمل إسم "الشمائل المحمدية". في بداية هذا الكتاب سرد الإمام الترمذي أحاديثا تذكر لنا اوصافا عن لون النبي(صلى الله عليه و سلم). فينبغي لنا أن نفهم هذه الأوصاف للون النبي (صلى الله عليه و سلم) فهما صحيحا.
أول حديث ورد في كتاب الشمائل المحمدية هو الحديث التالي:
1- حدثنا أبو رجاء قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك أنه سمعه يقول:
"كان رسول الله ()ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير، ولا بالأبيض الأمهق، ولا بالآدم ولا بالجعد القطط ولا بالسبط، بعثه الله تعالى على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين، وتوفاه الله على رأس ستين سنة وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء".
هذا الحديث يبين أن لون الرسول صلى الله عليه و سلم لم يكن بالأبيض الأمهق و لم يكن بالآدم. و الأمهق يعني اللون الأبيض القبيح. قال إبن منظور في لسان العرب عن إبن الأعرابي:
"الأَمْقَهُ الأَبْيضُ القبيحُ البياضِ، وهو الأَمْهَقُ."
و أما قوله "و لا بالآدم" فالأدمة هي السمرة الشديدة. قال إبن منظور في لسان العرب
" وهي (الأدمة) في الناس السُّمرة الشديدة"
قال الثعالبي في ذكره لترتيب سواد الإنسان في كتابه فقه اللغة:
الفصل الثالث عشر (في تَرْتِيبِ سَوَادِ الإنْسَانِ)
إذا عَلاَهُ أَدْنَى سَوَادٍ فَهُوَ أسْمَرُ فإنْ زَادَ سَوَادُهُ مَعَ صُفْرَةٍ تَعْلُوهُ فَهُوَ أَصْحَمُ فإنْ زَادَ سَوَادُهُ عَلَى السُّمْرَةِ فَهُوَ آدَمُ فإنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ أَسْحَمُ فإنِ اشْتَدَّ سَوَادُهُ فَهُوَ أدْلَمُ. كما ترون هنا إن اللون الآدم ليس السمرة فحسب، بل هو السمرة الشديدة. فهذه النقطة تسبب إلتباسا لدى كثير من الناس و سوف أبين لكم كيف وقع هذا الإلتباس بعد أن أسرد لكم الحديث الثاني الذي أورده الإمام الترمذي في كتابه الشمائل المحمدية و هو: 2- حدثنا حميد بن مسعدة البصري. حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن حميد عن أنس بن مالك قال:
"كان رسول الله () ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير، حسن الجسم، وكان شعره ليس بجعد ولا سبط أسمر اللون، إذا مشى يتكفأ".
كما ترون وصف الرسول (صلى الله عليه و سلم) بأسمر اللون في هذا الحديث. فكثير من الناس يعتقدون أن هناك تناقضا بين الحديث الذي يقول أن الرسول صلى الله عليه و سلم لم يكن آدم اللون و بين هذا الحديث الذي يقول أنه صلى الله عليه و سلم كان أسمر اللون. ولكن في الحقيقة ليس هناك تناقضا البتة لأن الأدمة لون و السمرة لون آخر – أعني الأدمة ليست السمرة فحسب، بل هي السمرة الشديدة . فعليه، القول بأن الرسول صلى الله عليه و سلم لم يكن بالآدم لا ينفي كونه أسمر اللون. و حديث رقم 393 من كتاب الشمائل المحمدية يقول: 393- حدثنا محمد بن بشار. حدثنا ابن أبي عدي، ومحمد بن جعفر قالا: حدثنا عوف بن أبي جميلة عن يزيد الفارسي وكان يكتب المصاحف قال:
"رأيت النبي () في المنام زمن زمن ابن عباس فقلت لابن عباس: إني رأيت رسول الله () في النوم فقال ابن عباس إن رسول الله () كان يقول (إن الشيطان لا يستطيع أن يتشبه بي فمن رآني في النوم فقد رآني). هل تستطيع أن تنعت هذا الرجل الذي رأيته في النوم؟ قال: نعم، أنعت لك رجلاً بين الرجلين، جسمه ولحمه أسمر إلى البياض، أكحل العينين، حسن الضحك، جميل دوائر الوجه، ملأت لحيته ما بين هذه إلى هذه قد ملأت نحره، قال عوف ولا أدري ما كان مع هذا النعت، فقال ابن عباس لو ٍرأيته في اليقظة ما استطعت أن تنعته فوق هذا". وصف لون الرسول (صلى الله عليه و سلم) في هذا الحديث بالأسمر إلى البياض. و في الحديث التالي و هو حديث رقم 6 من كتاب الشمائل المحمدية للأمام الترمذي وصف الرسول صلى الله عليه و سلم بأبيض اللون:
6- حدثنا أحمد بن عبدة الضبي البصري وعلي بن حجر، وأبو جعفر محمد بن الحسين وهو ابن أبي حليمة والمعنى واحد. قالوا: حدثنا عيسى بن يونس عن عمر بن عبد الله مولى غفرة قال حدثني إبراهيم بن محمد من ولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال: كان علي إذا وصف رسول الله () قال: "لم يكن رسول الله () بالطويل المُمَغَّط، ولا بالقصير المُتَردد، وكان ربعة من القوم، ولم يكن بالجعد القَطَط ولا بالسَّبِط، كان جعداً رِجلا، ولم يكن بالمُطَهَّم ولا بالمُكلثم، وكان في وجهه تدوير،أبيض، مُشرب أدْعَجُ العينين، أهدب الأشفار، جليل المُشَاش والكَتدِ، أجرد ذو مسرُبَة، شثن الكفين والقدمين إذا مشى تقلّع كأنّما ينحط من صَبَبْ، وإذا التفت التفت معاً، بين كتفيه خاتم النبوة، وهو خاتم النبيين، أجود الناس صدراً، وأصدق الناس لهجة، وألينَهم عريكة، وأكرمَهم (عِشْرَةً)، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعِتُه: لم أر قبله ولا بعده مثله ()".
كما ترون هنا وُصف الرسول صلى الله عليه و سلم بالأبيض. و قد يتساءلالكثير كيف يكون الرسول (صلى الله عليه و سلم) أسمر اللون و قد وصف هنا و في أحاديث أخرى بأبيض اللون. و قد يتساءل كيف يكون أسمر إلى البياض و السمرة هي سواد خفي. هنا سأبين كيف ذلك إن شاءالله و سوف أبين أنه ليس هناك أي تناقض بين وصف الرسول (صلى الله عليه و سلم) بالأسمر و وصفه (صلى الله عليه و سلم) بالأبيض.
لكينزيلالالتباس عن أذهان الناس، ينبغي للجميع ان يفهم معنى اللون الأبيض فهما صحيحا لان اللون الأبيض عند عرب الماضي ليس هو اللون الأبيض الذي يقصده الناس اليوم بل هو لون قريب جدا للون الأسمر, لهذا السبب المصطفى (صلى الله عليه و سلم) تارة يوصف بالسمرة و تارة أخرى يوصف بالبياض . البياض عند عرب الماضي
الشيء الذي نفهمه من كلام علماء الماضي و نعرفه علم اليقين هو أن عرب الماضي أذا وصفوا شخصا بالأبيض أو بأبيض اللون فهم لايقصدون اللون الأبيض. قال الإمام الحافظ الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء:
"إن العرب إذا قالت : فلان أبيض ، فإنهم يريدون الحنطي اللون بحلية سوداء".
و قال إبن منظور في لسان العرب:
"حلية الإنسان هي ما يُرى من لونهأو مظهره."
و قال ابن منظور أيضا في لسان العرب:
الخِلقة: الحلية: الصفة و الصورة. والتَّحْلِيةُ: الوَصْف. وتَحَلاَّه: عَرَفَ صِفَته. والحلْية: تَحْلِيَتُك وجهَ الرجلِ إذا وصَفْته.
هنا وضح لنا العلامة الحافظ الإمام الذهبي معنى البياض عند العرب و هو الحنطي اللون بحلية سوداء. و حلية الإنسان هي ما يُرى من لونه أو مظهره كما قال إبن منظور في لسان العرب. إذن يمكننا أن نعتبر البياض درجة من السمرة.
قال الشيخ العلامة محمد بن أحمد بن علي بن عبد الخالق، شمس الدين الأسيوطي في كتابه جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود:
إذا كان الرجل شديد السواد
كما ترون هنا وصف البياض بلون قريب للون الأربد فما هو اللون الأربد؟ قال إبن منظور في لسان العرب:
الربدة لون بين السواد والغبرة. والربدة والرمدة: شبه الورقة تضرب إلى السواد .
اللون الأربد وصف هنا بالورقة تضرب إلى السواد. و ما هي الورقة؟ قال إبن منظور:
والوُرْقَةُ: سواد في غُبْرة .
و يقول إبن منظور أيضا في لسان العرب:
والسُّمْرة: الوُرْقَة.
إذن البياض هو لون قريب للسواد و كذلك السمرة لون قريب للسواد. لهذا السبب نجد أن الرسول (صلى الله عليه و سلم) يوصف بالبياض تارة و بالسمرة تارة أخرى. ففي الحديث أعلاه وُصف بالسمرة إلى البياض. وليس هناك أية تناقض بين وصفه (صلى الله عليه و سلم) بالبياض و وصفه (صلى الله عليه و سلم) بالسمرة – لأن البياض عند عرب الماضي ليس البياض الذي نعرفه اليوم ، بل البياض عند عرب الماضي هو لون داكن قريت للسمرة.
و وصف لون الرسول (صلى الله عليه و سلم) ب"مشرب حمرة" و الحمرة مثل المغرة و لذلك وصف (صلى الله عليه و سلم) بأمغر اللون. فما هي المغرة؟ قال إبن منظور في لسان العرب:
مغر مغر : المغرة والمغرة : طين أحمر يصبغ به . وثوب ممغر : مصبوغ بالمغرة . وبسر ممغر :
لونه كلون المغرة . والأمغر من الإبل : الذي على لون المغرة . والمغر والمغرة : لون إلى الحمرة . وفرس أمغر : من المغرة ، وفي شيات الخيل أشقر أمغر ، وقيل : الأمغر الذي ليس بناصع الحمرة وليست إلى الصفرة ، وحمرته كلون المغرة.